نقدٌ وتاريخٌ فنّي

فلنرفع سوية الذوق الجمالي من حولنا من خلال إتاحة نشر المحاولات النقدية الشابة بالإضافة إلى الأعمال النقدية المحترفة من قبل نقادنا المخضرمين. نشجع ونرحب بمحاولات النقد الجمالي.

عايدة صبرا

عايدة صبرا "الأم" في مسرح وجدي معوّض

كُثُرٌ هنّ الممثّلات اللاتي طبعن بأدوارهنّ كأمهاتٍ مسيرتهنّ المهنيّة، حتى ليطغى دورهنّ المشغول بعنايةٍ حتى أدق تفاصيله على أحداث القصة، ويضحي أداؤهنّ أيقونياً لشدة صدقه وواقعيته، فيغدو الدّور بحدّ ذاته حدثاً مفصلياً لا تعود بعده المؤدية والمتلقون على السواء كما كانوا قبله، والأمثلة كثيرةٌ في أرشيف المرئيّ والمسموع، من القديرة جولييت عوّاد بِدَور "أم أحمد" في التغريبة الفلسطينية، إلى آمال سعد الدين بدور "أم عطا"، الأمّ المقدسية التي وجد مطران القدس المقاوم هيلاريون كبوجي لديها الملاذ والحضن الدافئ في غربته، والقائمة تطول. لكن مهما كثُرت الأمثلة، يبقى الأكيد أن عايدة صبرا قد حجزت لنفسها من خلال دورها كأمٍّ مكلومةٍ على مسرح وجدي معوّض مكانةً مرموقةً على هذه القائمة، وأنها أكّدت المؤكّد أنّها "أستاذةٌ" بكلّ ما للكلمة من معنى، ملعبُها خشبة المسرح الذي تمتلك كلّ أدواته الماديّة والحواسيّة على السّواء.

فبعد مسرحيتَي الأداء المنفرد "وحيدون Seuls" و"شقيقات Sœurs"، ومع غروب شمس الأيام الأخيرة لعام 2021، كان روّاد مسرح لاكولين الباريسي على موعدٍ مع مسرحية "الأم Mère". موعدٌ بات منتظَراً لاستكمال ثالت حبّات سُبحة السيرة العائلية التي كان المسرحيّ اللبنانيّ-الكندي وجدي معوّض ينحت تفاصيلها بأنامل الفنّان لأكثر من عشر سنوات على درب المشهدية التي ستكتمل مع آخر حلقتي السلسلة: "الأب Père" و"أشقّاء Frères".

...

.

التكرار والاجترار من سمات الحداثة الفنية - 1

التكرار والاجترار من سمات الحداثة الفنية - 1

التكرار والاجترار سلوكان يؤديان لامحالة،إلى "موت الفن" ونهايته"، كما عبر عنذلك هيغل في " جماليته".ورغم أن هيغل كان يتحدث عن الفن الرومنتيكي المرتبط بالغرب المسيحي في القرون الوسطى، والذي بزغ من جديد خلال الفترة ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في العمارة والتصوير، فهو يرى أن كل مراحل هذا الفن قد تم تجاوزها، عبر استنفاد مواضيعها وأشكالها التي على خلفيتها تتأسس جماليتها. فهيغل يرى أن الفنانين ضربوا "صفحا عن تفكيرهم" وأصبحوا عاجزين عن تجديد أنفسهم وممارساتهم.  نتساءل ما إذا كانت تنبؤات هيغل منذ بدايات القرن التاسع عشر، و هو يربط بين التكرار والاجترار ونهاية الفن، وأن كل الموضوعات والأشكال الفنية قد استنزفت طاقاتها، ولم يبق منها شيء يمكن أخذه، لتصدق تلك التنبؤات كذلك على من جاء بعده من فنانين وما ظهر من تيارات واتجاهات طليعية وغيرها. "ولهذا لا يمتنع المنددون بالفن المعاصر عن الإشادة بهذا التوقع – وهذا قبل قرنين من الزمن -بالانحطاط الذي يشهده الابداع الفني اليوم"(جيمنيز). هناك من الباحثين والنقاد من لا يتفق مع الأطروحة الهيغلية بل منهم من يرى أن تلك التنبؤات كانت إعلانا مسبقا عن "ميلاد الفن الحديث والجمالية كعلم للفن"(جيمنيز). 

 نتساءلإذا كان التكراروالاجترار الذي تعيشهالحركة التشكيلية بالعالمالعربي ليس إلاعرضا مرضيا قد يعلن مستقبلا، عن موتالفن ونهايته؟

...

.

  1
  2
 0
  • أرسل تقرير
  • إخفاء هذا المقال
  • إخفاء مقالات هذا الكاتب
التكرار والاجترار من سمات الحداثة الفنية -2-

التكرار والاجترار من سمات الحداثة الفنية -2-

يفتقد تاريخ المثقف العربي إلى الاستمرارية وتتخلله "الحلقة المفقودة" التي أشرنا إليها في مقال سابق. ترى أين تتمركز بالضبط هذه الحلقة؟
إن تاريخنا الثقافي يبنى على تاريخ الأسر التي حكمت العالم العربي/الإسلامي عبر التاريخ، فنقول مثلا الشعر الأموي والأدب العباسي وهكذا، وحينما يصنف المؤرخون الثقافة والفكر العربيين على شاكلة التصنيف الأوروبي أي بالفترات الزمانية، نجدهم يقسمان هذا التاريخ إلى فترتين تاريخيتين: "الثقافة العربية في العصور الوسطى والثقافة العربية في العصر الحديث".
انطلاقا من هذا التصنيف يغيب "العصر القديم" الذي لا تقل أهميته على مستوى المرجعية الفكرية والثقافية والمجتمعية وحتى الإيديولوجية. فغيابه يجعل تلك القرون الوسطى العربية "تفتقد الطرف الآخر الذي يبرر وسْطويتها". تحدثنا في مقال سابق عن الازدواجية المؤلمة التي يعاني منها المثقف العربي، التي تجد لها أرضا خصبة في التصنيف التاريخي للثقافة العربية، ففي الوقت الذي نؤرخ فيه للقرون الوسطى تجدنا نستعمل التاريخي الهجري وحينما ننتقل الى العصر الحديث، عصر النهضة العربية، نستعمل التاريخ الميلادي. تاريخ القرون الوسطى يزامن القرنين السابع أو الثامن الهجريين (القرن الخامس عشر الميلادي)، وعصر النهضة العربية يبدأ مع بداية القرن التاسع عشر، ومن تم ندرك غياب فترة تاريخية ممتدة من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر الميلاديين، وهذه الفترة هي التي تشكل الحلقة المفقودة وغيابها يخلق "ثغرة مشوشة في الوعي العربي".
الخلاصة أننا كعرب نعيش تاريخا "ممزقا" على مستوى الفكر والثقافة والفن وبالتالي على مستوى الوجود. إنه تاريخ يتطلب منا إعادة كتابته وتأريخ فتراته بكل دقة وموضوعية ومنهجية.
إن الفكر الغربي لم يعش نفس الوضعية المأساوية التي عانى منها الفكر العربي وما يزال، لم يفقد أية حلقة من حلقات سلسلة مساره التاريخي. فالفكر الغربي لم يشهد استعمارا يمزقه ولا استغرابا يواجه استشرا قا، يفتت صفحات تاريخه. حقيقة كانت هناك ثورات سياسية وثقافية وفنية شهدتها أقطار أوربا، لكنها انتهت بها إلى الوحدة ولمِّ الشمل، ثورات نبعت شرارتها من عمق أرض أوروبا نفسها، و كانت تلك الثورات تؤطرها نظِّريات فلسفية ويُنظِّر لها مفكرون خلقوا لتلك المهمة وكأنهم أنبياء: عصر النهضة وما لحق به من نظريات حول الأنسنة والحرية والرؤى المثالية، وعقلنة المنظور وإخراجه من الإمبيرقية، ثم عصر الأنور وما ارتبط به من عقلنة ديكارتية وأفكار روسو وفولتير ومنتسكيو وكنط وهيغل واللائحة طويلة... ثم أحداث القرن التاسع عشر وثوراتها العلمية واختراعاتها التكنولوجية ، والانفتاح على ثقافات أمم وحضارات كانت منسية وممسوحة من صفحات تاريخ الإنسانية، فجاءت الحداثة الفنية* التي تنبأ بميلادها هيغل في "جماليته" حينما تحدث عن موت الفن. وظهر فنان الحياة الحديثة حسب تعبير بودلير، الذي يتميز بالفردية والحرية في التعبير والمبادرة والثورة على التقاليد الأكاديمية والعمل الجماعي والاستسقاء من أغوار آبار أمم غير أوروبية... كل تلك الأحداث التي شكلت الثورات الفنية لم تبرز إلى السطح، بعد سبات ثقافي Hibernation culturelle، لم يكن هناك ما يجعلها تخلد إلى النوم كما خلد الفكر العربي طيلة ستة قرون إلى الأحلام في الظلام. الفن الحديث كان مستيقظا يقظا، واعيا حينما غمس رأسه 

يرشف من مياه الحضارات التي بات يظنها عكرة، لكنه عرف كيف يصفي ما يشرب.
يدعي مؤرخو الحداثة الأوروبية أنها شكلت قطيعة مع الماضي الثقافي والفني الأوروبيين لتبني ذاتها انطلاقا من معايير وضعتها لنفسها. ربما أن هذا يصدق على الحداثة في ميادين غير الفن، أما الحداثة الفنية الغربية فقد اتخذت لنفسها مرجعيات ماضوية، ترتبط بتراث أمم غير أوروبية، فنجدها تحارب على سطح الأرض وفي نفس الوقت تسلح ذاتها من معادن وخامات تحت أرضية، تثور على سياسة الصالونات والقواعد التي كانت سلاحا في أيدي الأكاديمية الفنية تقرع به الرؤوس، فإما ترد المقرَع رأسُه إلى الصواب والطريق المستقيم أو تطرقه بقوة فتقتله بصفة نهائية، وفي ذات الوقت تفتح صدرها لما يتناثر عليه من كنوز الحضارات التي كشفت الستار عنها: الأقنعة الإفريقية والمنحوتات الطوطمية والرسوم اليابانية Estampes japonaises، والخطوط الصينية... وشيء آخر قلما يذكره المؤرخون الفرنسيون على الخصوص لتعنتهم وشوفينيتهم المفرطة، وهو الفنون العربية الإسلامية.
إن "الثقافة الأوروبية الحديثة في بداية أمرها (كانت) إعادة إنتاج للثقافة العربية الإسلامية. وإذن فحضور الثقافة العربية الإسلامية في التاريخ الثقافي العالمي "الأوروبي" حضور مؤسِّس، وليس مجرد حضور الوسيط المؤقت." إن تاريخ الفن العالمي يوفر لنا شهادات فنانين غربين عديدين تأثروا كثيرا وكثيرا بالفن الإسلامي وجماليته، ولا تقف المؤثرات عند الخط العربي وحسب، بل تصل إلى سبر أغوار جمالية الفن الإسلامي،*** وبالمناسبة يمكن استحضار التكوينات الهندسية عند فكتور فزاريلي Victor Vasarely(1906-1997)، واللون الصرف والشكل الصرف المتحررين المستقلين عن المضامين التشبيهية، عند فسيلي كاندينسكي Vassili Kandinsky (1866-1944)، وبول كلي Paul Klee (1879-1940)، وجميع رواد التجريد بنوعيه الهندسي والغنائي. ثم الفضاء الممدود إلى ما لانهاية كما هي تكوينات الفن التجريدي الإسلامي المبنية أساسا على ثنائية الفراغ مقابل الفضاء العامر وما أسماه ألكسندر ببادوبول وA. Papadopoulos ** (l’horreur du vide)، أي الفزع من الفراغ، الذي يشكل مكونا رئيسيا وأساسيا في جمالية الفن الإسلامي، فكل هذه مفاهيم اعتمدها الفن الحديث الأوروبي، وكما أشرت قلما يذكرها كتابه ومؤرخوه ونقاده. فنجدهم يذكرون ما استفادته التجارب التشكيلية العربية من فنانيهم الحداثيين ولا يعترفون بما أعطاه الفن الإسلامي للفن الحديث!

...

.

  1
  2
 0
  • أرسل تقرير
  • إخفاء هذا المقال
  • إخفاء مقالات هذا الكاتب
مواضيع قد تهمك
تجارب شخصيّة
ثقافةٌ صحيَّة
فلسفة
شعرٌ ونثر
قضايا الطفولة
قصصٌ وروايات
تطوير الذات
كتبٌ وكتّاب
Crypto بالعربي
معارضٌ ولوحات
مجتمع وقضايا